"ذئب منفرد" يصعق واشنطن ويؤرق تل أبيب
24 May 202506:41 AM
"ذئب منفرد" يصعق واشنطن ويؤرق تل أبيب
نداء الوطن

نايف عازار

نداء الوطن
تعرّض العمق الاستراتيجي للعاصمة الأميركية النابض بالأمن والإجراءات الاستثنائية الخميس لخرق أمني فاضح تمثّل بحادثة إطلاق نار أسفرت عن مقتل موظفَين في السفارة الإسرائيلية في واشنطن أمام المتحف اليهودي، وعلى بعد مئات الأمتار من البيت الأبيض الشديد التحصين. واللافت أن مرتكب الهجوم تفاخر بفعلته ولم يتكبّد عناء الهروب من موقع الهجوم، بل على العكس، فعل فعلته أمام المتحف اليهودي ثم دخل إليه، ليظن المذعورون في الداخل أنه مثلهم أراد الاحتماء من وابل الرصاص، قبل أن يطلب منهم استدعاء الشرطة ليسلّم نفسه طوعاً، ويشهر كوفيّته الفلسطينية، مردّداً صيحات: "الحرّية لفلسطين".

هذا الهجوم الذي نفذه أميركي ثلاثيني لاتيني الجذور ويساري الهوى، أودى بحياة موظفَين في السفارة الإسرائيلية كانا يعتزمان عقد خطوبتهما بعد أيام معدودة، وأرادا قبل ذلك تمضية أمسية هادئة في المتحف، وقد أثارت الواقعة غضب نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرّفة، التي سارعت إلى تشديد الإجراءات الأمنية حول السفارات والمصالح الإسرائيلية في كافة أنحاء العالم، خوفاً من أن يلهم المهاجم إلياس رودريغيز، أشخاصاً آخرين للحذو حذوه واستهداف إسرائيليين، في وقت يرتفع فيه منسوب النقمة العالمية الرسمية والشعبية على الحكومة الإسرائيلية، التي تمضي في حربها الشعواء على قطاع غزة، وفي تجويع سكان القطاع المحاصر وأطفاله، في ظلّ تعثر سبل مفاوضات الدوحة، الرامية إلى التوصل لصفقة تبادل أسرى ووقف الحرب.

ولا ريب في أن الدولة العبرية التي اعتادت سابقاً خوض حروب خاطفة وسريعة مع الدول العربية، وكانت تحسمها خلال أيام أو أسابيع معدودة، تخوض راهناً ومنذ أشهر عدة غمار حرب طويلة الأمد في غزة، حيث سقط عشرات المدنيين والأطفال والشيوخ من جرّاء إجرام إسرائيل ورعونة "حماس" في آن، وبطبيعة الحال فإن طول أمد أي حرب، يزيد التعاطف الإنساني الدولي مع الضحايا الأبرياء، وهو ما يشكل حافزاً لمتعاطفين مع القضية الفلسطينية لشنّ هجمات على أهداف إسرائيلية في أي مكان في العالم، ويمكن وصفهم حينها بـ "الذئاب المنفردة"، وهو أمر يؤرق كثيراً صناع القرار في تل أبيب.

شهر سيف "معاداة السامية"

سارع رئيس الحكومة الإسرائيلية والمسؤولون الإسرائيليون كما الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى شهر سيف "معاداة السامية" في وجه المهاجم، وهي تهمة جاهزة في أي حين لإلصاقها بكل من يتعرّض لأي إسرائيلي أو يهودي حول العالم، أو ينتقد علناً سياسة الدولة العبرية. وفي هذا السياق، اتهمت إسرائيل دولاً أوروبية بالتحريض عليها وبـ "معاداة السامية"، من خلال مواقفها المنتقدة لاستمرار الحرب على غزة، محمّلة إياها، وإن بشكل غير مباشر، مسؤولية التحريض على هجوم واشنطن، وهو أمر أثار سخط بعض قادة دول "القارة العجوز".

علاوةً على ذلك، يعتبر بعض المراقبين، أن زمن وسائل التواصل الاجتماعي والفيديوات التي تنتشر عبرها، خصوصاً في صفوف طلّاب الجامعات في الولايات المتحدة، وتظهر ارتكابات الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، تساهم من دون شك وإلى حدّ كبير في التعاطف مع الفلسطينيين، لدرجة أن مسؤولين إسرائيليين بدأوا يمتعضون مما يعتبرونه تحريضاً ضدّ الدولة العبرية نشأ في الجامعات الأميركية بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023، ويضعونه أيضاً في خانة "معاداة السامية".

أبعد من ذلك، فقد بلغ الأمر بنتنياهو حدّ اتهامه المعارضة الإسرائيلية بـ "معاداة السامية"، بعد تحميلها إيّاه مسؤولية هجوم واشنطن وانتقادها سياسته الحربية في غزة. وبطبيعة الحال سيعمد "بيبي" إلى استغلال الهجوم لمصلحته من خلال "شدّ عصب" الإسرائيليين، والتأكيد أن مضيّه في الخيار العسكري هو الحل الأنجع، في ظلّ التهديدات التي تحيط بالإسرائيليين واليهود من كلّ حدب وصوب، بينما ترى المعارضة الإسرائيلية أن عدم الركون إلى اتفاق لوقف النار وتبادل الأسرى مع "حماس"، من شأنه تهديد المصالح الإسرائيلية في كل مكان.

فشل ذريع لـ "الموساد"؟

بعض الإعلام العبري أنحى باللائمة على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية. فصحيفة "معاريف" رأت في مقتل الموظفَين في السفارة الإسرائيلية في واشنطن فشلاً ذريعاً جديداً لجهاز "الموساد"، معتبرة أن الجهاز أخفق مجدّداً في تقديم معلومات استخباراتية تحذيرية في الخارج. وأضافت أن الفشل في منع الهجوم يشمل أيضاً جهتين أمنيتين إسرائيليتين أخريين هما: القسم الأمني في "الشاباك"، وأمن وزارة الخارجية.

من جانبه، مراسل الشؤون السياسية والدبلوماسية في "يديعوت أحرونوت" إيتمار آيخنر، اعتبر أن الهجوم على الدبلوماسيَين في واشنطن لم يكن مجرّد "مأساة إنسانية"، بل كان ضربة رمزية لممثلي دولة يخوضون معركة معقدة في وجه موجة متزايدة من العزلة والتحريض، جازماً أن دور الخارجية الإسرائيلية في الخارج بات بعد الحادثة أكثر أهمية من أي وقت مضى.