المفاوضات النووية تؤرق تل أبيب
18 Apr 202506:11 AM
المفاوضات النووية تؤرق تل أبيب
نداء الوطن

نايف عازار

نداء الوطن
يتسلّل القلق الشديد إلى نفوس صنّاع القرار في تل أبيب من مشهد المفاوضات الأميركية - الإيرانية التي احتضنت سلطنة عُمان أولى جلساتها "الإيجابية"، فبالنسبة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كان "الأحبّ على قلبه" في ظلّ ائتلافه الحكومي اليميني المتطرّف، ومع وجود "صديق بلاده الأعزّ" في المكتب البيضوي، أن يرى مفاعلات إيران النووية تشتعل تحت حمم المقاتلات الأميركية العملاقة، تمهيداً لإسقاط نظام الملالي، وليس رؤية مفاوضي البلدين يجلسون إلى طاولة المحادثات، غير المباشرة في جلستها الأولى، والتي كُلّلت بمصافحة بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف.

فبالنسبة إلى تل أبيب، التي يتمنى مسؤولوها أن تنهار هذه المفاوضات، صورة تهاوي وكلاء طهران تباعاً في المنطقة، كان يُفترض أن تعقبها خطوة حاسمة تتمثل بضرب الأصيل وليس فقط الاكتفاء بإعطاب أذرعه، وهي ترى التوقيت مثالياً للتخلّص من "الهاجس النووي الفارسي"، الذي يشكّل في الأساس تهديداً جدّياً لإسرائيل القريبة، وليس للولايات المتحدة التي تبعد آلاف الكيلومترات عن "بلاد فارس".

وقد تعمّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في وقت سابق الإعلان عن نيّته الركون إلى طاولة المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية، من البيت الأبيض إلى جانب نتنياهو، في خطوة أُعدّت عن سابق تصوّر وتصميم ولم تَخلُ من الإحراج للضيف الإسرائيلي الذي بدا الوجوم جلياً على محيّاه، وهدفَ ترامب بذلك إلى وضع نتنياهو تحت أمر واقع مفاده أن "زمن الجزرة الدبلوماسية" لم يُستنفد بعد مع طهران، وأن ثمنه يبقى أقلّ من كلفة "خيار العصا الغليظة" وتداعياته السياسية والاقتصادية على المصالح الأميركية الحيوية التاريخية في منطقة الشرق الأوسط.

نقطة اللاعودة

المفاوضات التي تمضي قدماً إذاً بين الدولتين اللدودتين، لم تَرُق أيضاً للرأي العام الإسرائيلي وتحديداً للأقلام العبرية التي انتقدت بمعظمها المحادثات، وتخوّفت من أن تُكسِب طهران وقتاً يتيح لها الاقتراب أكثر من صنع قنبلة ذرية، وتكون بذلك الأمور بلغت نقطة اللاعودة.

فالمحلّل الإسرائيلي إيتمار آيخنر اعتبر في صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن اقتراب إيران من امتلاك المواد اللازمة لصنع ست قنابل نووية، يُثير خشية إسرائيل من أن يقرّبها الاتفاق من تحقيق قدرات نووية متقدّمة بعد رحيل ترامب. وأكد أن "بعضهم في إسرائيل يأمل سرّاً في أن تنهار المحادثات، ما قد يُمهّد الطريق لخيار عسكري موثوق، في ظلّ مخاوف كبيرة من تفضيل ترامب حلّاً وسطاً معتدلاً لتجنب المواجهة المباشرة مع طهران".

من جانبه، الباحث في الشؤون الإيرانية في "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي" بيني ساباتي اعتبر في حديث لصحيفة "معاريف" أن الخطر يكمن في احتمال رفع العقوبات عن طهران مستقبلاً، لأنه عندها ستفعّل تجارتها مع العديد من الدول، حتى لو رُفعت جزئياً، وسيؤدي ذلك إلى موجة عارمة من الواردات والصادرات وانخفاض في أسعار العملات الأجنبية، وقد يُحدث هذا ببساطة تغييراً مفاجئاً وحاسماً للغاية لمصلحة الاقتصاد الإيراني، ما سيعزز موقع النظام".

حسابات دولية أشمل

المحلّل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، شدّد على "ضرورة استعداد الجيش الإسرائيلي لاحتمال انهيار المحادثات، وفي النهاية إعطاء الضوء الأخضر لشن ضربة إسرائيلية بدعم أميركي على المواقع النووية الإيرانية".

في المحصلة، "حساب الحقل" الإسرائيلي ليس كـ "حساب البيدر" الأميركي، وإذا كانت مخاوف الدولة العبرية من المفاوضات بين الجمهورية الإسلامية و"الشيطان الأكبر" منطقية في المنظور الإسرائيلي الضيّق، فإن لقائد سفينة "العمّ سام"، رغم عطفه اللامتناهي على حليفته المدلّلة إسرائيل، حسابات دولية أشمل وملفات شائكة يريد التفرّغ لها، تبدأ من الحرب الروسية - الأوكرانية التي تستنزف موارد القارتين الأوروبّية والأميركية، ولا تنتهي بالكباش الاقتصادي المحتدم وحرب الرسوم الجمركية مع العملاق الصيني في القارة الآسيوية.